إن الاهتمام الذي يلقاه مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد اهتمام مبرَّر ومشروع، فالقانون يمسّ حياة كل أسرة في مصر،, ويؤثِّر عليها تأثيرًا مباشرًا،, وهو تأثير يرحِّب به بعضنا، ويعترض عليه آخرون، والوصول إلي أفضل الصيغ وأحسن الأحكام لا يتمّ إلا بمداولة واسعة من أصحاب الآراء المتباينة، والمسائل التي يثيرها مشروع القانون كثيرة، ولا يتَّسع المقام لمناقشتها جميعًا .
ولذلك أوجز القول في أهم هذه المسائل مرجئًا التفصيل إلى مقام آخر:
المسألة الأولى - الإحالة إلى المذاهب الأربعة
تنص المادة الثالثة من مواد إصدار مشروع القانون على أن يعمل فيما لم يرد بشأنه نص في تلك القوانين [قوانين الأحوال الشخصية والوقف] بأرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة، وذلك عدا قواعد الإثبات فيعمل في شأنها بأرجح الأقوال في المذاهب الفقهية الأربعة .
والإحالة إلى أرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة إحالة إلى قول معروف محدَّد في المذهب، يعرف قضاة الأحوال الشخصية في مصر مصادره وموارده، ويتعاملون معه بقضاء متوالٍ مستقر منذ صدرت قوانين تنظيم القضاء الشرعي قبل أكثر من مائة سنة (لائحة القضاء الشرعي سنة 1897)، ويعرفه طلاب العلم الشرعي والقانوني فيما يدرسونه من مادتي تاريخ الفقه وتاريخ المذاهب في كليات الشريعة والقانون وفيما يتداولونه من مؤلفات أعلام العلماء الذين كتبوا في مادة (المدخل لدراسة الفقه الإسلامي) منذ أنشئت مدرسة الحقوق الخديوية في هذا القرن حتى اليوم. أما الإحالة إلي أرجح الأقوال في المذاهب الأربعة الفقهية فهي تكليف بما يشبه المستحيل؛ لأن لكل مذهب أصوله وقواعده التي تختارها أرجح الأقوال فيه. والمقرر شرعًا وفقهًا أنه لا يحكم بمذهب على مذهب، أي لا يجوز أن يقال: إن هذا أحق من ذاك، لأن مذهبًا أخذ بالأول ومذهبًا آخر أخذ بالثاني. بل يكون الترجيح بالدليل وقوته وسلامة وضعه في موضع الاستدلال (ما يسميه الفقهاء مأخذ الدليل). ولذلك لا يرجح حتى بالكثرة .
كأن نقول:
إن ثلاثة مذاهب اتفقت علي قول فهو أرجح من قول أخذ به المذهب، وتكليف القاضي بأن يختار أرجح المذاهب الأربعة، بل أرجح الأقوال فيها معناه تكليفه ببحث كتب هذه المذاهب كافة.. وهي آلاف الكتب المطبوعة سوي المخطوطات التي لا يعلم عددها إلا الله، ثم دراسة أدلة الأقوال في كل مذهب، وفي بعض المذاهب عشرة أقوال في المسألة الواحدة، واختيار أرجح الأقوال ليقضي به. ولا يختلف اثنان عالمان بالفقه على أن هذه المهمة في حكم المستحيل. ولو بقي هذا النص على حاله فسيفتح أبوابًا لا تنتهي للطعن في الأحكام المبنية عليه، وتتضارب أحكام القضاء تضاربًا يهدر الثقة بها، وهما أمران جديران بأن تسد الذرائع إليهما، ويحال بين التشريع وبين أن يوقع القضاء فيهما أو في أيهما. ولذلك أرى أن الاقتصار على الإحالة في المسائل التي ليس فيها نص في القوانين إلى أرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة تحقيقًا لاستقرار أحكام القضاء واتساقه استقرار التشريع ذاته بعد أن ألف الناس جميعًا تطبيق هذا المذهب لأكثر من قرن من الزمان في محاكم الأحوال الشخصية في مصر. وقد أخذ بهذا التوجه مجلس الشورى عند مناقشته لمشروع القانون، وحري بمجلس الشعب أن يذهب المذهب نفسه. وأضاف مجلس الشورى الإحالة إلى الإثبات الذي أغفل المشروع ذكره، وهي إضافة صحيحة جيدة.
المسألة الثانية - حساب المدد والمواعيد بالتقويم الميلادي
نصت المادة (1) من مشروع القانون
علي أنه تحسب المدد والمواعيد الإجرائية المنصوص عليها في هذا القانون بالتقويم الميلادي والأصل في جميع المدد والمواعيد المتعلقة بالأحكام الشرعية الإسلامية أن تحسب بالتقويم الهجري، فإنه هو التقويم الوحيد الذي تعرفه نصوص الأحكام. وبمقتضى هذا التقويم تعتد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام عملا بقول الله تعالي: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا). وتعتدّ المرأة التي انقطع حيضها, والمرأة التي لم تر الحيض بثلاثة أشهر عملاً بقول الله تعالى: (وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا). وبالتقويم الهجري تحسب مدة الحمل الذي يثبت به نسب الولد بعد الطلاق أو الوفاة. لذلك فإن هذا النص يجب تعديله ليصبح حساب المواعيد والمدد كلها إجرائية وموضوعية في مسائل الأحوال الشخصية كافة بالتقويم الهجري لا الميلادي ولا يرد علي ذلك بما نراه من تضارب في إثبات ميلاد الهلال ونفيه في بداية رمضان وبداية شوال من كل عام، لأن المحاكم منذ كانت تتبع التقويم الهجري الذي تصدره هيئة المساحة المصرية، ولا تعتدّ في بدايات الشهور بالرؤية التي تثبتها دار الإفتاء أو تنفيها، ولم تجد أية مشكلة في شأن حساب المدد والمواعيد بالتقويم الهجري، ولو وقعت فليس سبيل علاجها العدول عنه لما يرتبه ذلك من آثار لا قبل لأحد بتحمل تبعتها أمام الله -عز وجل- إذا طالت بسببها مدة العدة الواجبة شرعًا، أو ثبت بناءً عليها نسب حقه ألا يثبت.
المسألة الثالثة - الإحالة إلي قانون الحسبة
تنص الفقرة الأولى من المادة السادسة من مشروع القانون علي أنه مع عدم الإخلال باختصاص النيابة العامة ترفع الدعوى في مسائل الأحوال الشخصية علي وجه الحسبة المنصوص عليه في القانون رقم3 لسنة 1996، وهذا النص تزيّد لا يليق بالمشرع أن يقع فيه..
فالقانون رقم3 لسنة 1996 هو قانون تنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية..
وهو سارٍ في جميع حالات دعاوى الحسبة بغير حاجة إلى النص الجديد عليه في قانون الأحوال الشخصية. والنص بلية في مشروع القانون يوهم بأن المقصود أن دعاوى الأحوال الشخصية لا تباشر إلا على وجه الحسبة، وهو غير صحيح، وغير مقصود، إنما المقصود هو أن الدعاوى التي يرفعها أصحابها بطريق الحسبة لا ترفع إلا وفق الإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 3 لسنة 1996 فإن اللائق بالتشريع الجديد إسقاط هذه الفقرة، لأن حكمها مقرر بنصوص القانون المذكور دون حاجة إلى نص جديد عليه.
المسألة الرابعة - الأدلة القطعية في دعوى النسب
تنص المادة السابعة من مشروع القانون علي عدم قبول دعوى الإقرار بالنسب أو الشهادة على الإقرار به بعد وفاة المورث إلا إذا وجدت أوراق رسمية أو توافرت أدلة قطعية تدل على صحة الادعاء. ويستوقف النظر في هذا النص كلمتان: المورث، والأدلة القطعية..
فأما المورث
فلعل الأصح أن يسمى المدعي بثبوت النسب إليه؛ لأنه لا يصير مورثًا للمدعي بالنسب إلا بعد ثبوت النسب فعلاً .
وأما الأدلة القطعية
فهي تكرار في جوهرها لعبارة أوراق رسمية، والصحيح هنا أن يقال أدلة تقبلها المحكمة لتترك سلطة القاضي التقديرية دون تدخّل من المشرع، وليكون الاقتناع الحر للمحكمة هو الفيصل فيما تقضي به من ثبوت النسب أو الشهادة على الإقرار به أو عدم الإقرار.
هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية الاجتماعية فإن الشكوى التي تتردّد كثيرًا في هذه الحالات هي إنكار الرجال نسب الأبناء، أو إنكار باقي الإخوة نسب أخيهم الذي مات أبوه قبل إثبات نسبه، والغالب أن يكون ذلك في زواج عرفي لم يوثق، والقانون بخصوص معالجة آثار الزواج العرفي، فالأولى هنا أن يوسع باب قبول الدعوى، لا أن يضيق حالاتها ليكون القانون كله محكومًا بمنطق واحد، ولئلا يسلب بيد ما يعطيه باليد الأخرى.
المسألة الخامسة - تقنين الخلع
وربما كانت هذه مسألة المسائل في مشروع هذا القانون، ولذلك استدعت أغلب التعليقات، واقتصر بعضها عليها دون سواها، وقد أورد المشروع النص الخاص بالخلع في مادته رقم (20) بفقراتها الخمس وبادئ ذي بدء أود أن أبيِّن أن الخلاف حول الخلع بين المؤيدين للقانون والمعارضين له لا يدور حول مشروعيته، فهي متفق عليها بين الجميع، ولا يخلو كتاب من أمهات كتب الفقه من باب يعالج فيه الخلع، لكن الخلاف يدور حول مدى جواز إجبار الزوج على القبول به، أو مدي جواز إعطاء سلطة إيقاع الخلع للقاضي، ثم يدور حول آثار الحكم كما يقررها مشروع القانون .
أما أن تكون سلطة إيقاع الخلع إلى القاضي فإنها يتنازعها في الفقه الإسلامي مذهبان، مذهب الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة، وهو أن الخلع يقع بين الزوجين دون تدخل من القاضي، والمذهب الثاني مذهب سعيد بن جبير والحسن البصري وابن سيرين وزياد بن عبيد الثقفي(ابن أبيه)، وكلهم من نبلاء التابعين. ( تفسير القرطبي جـ3 ص*)، والقول: إن الخلع يقع دون تدخل القاضي معناه أن يتراضى الزوجان علي ذلك، فإذا لم يتراضيا فماذا يكون الحل؟ لا شك أنه ليس أمام المرأة الكارهة للحياة مع زوجها إلا اللجوء إلي القضاء، وهذا هو معنى مذهب التابعين الذين قالوا: يوقعه السلطان (أي أن الزوجين هنا في حال شقاق تخاف فيها الزوجة ألا تقيم حدود الله (بمعني عدم قدرتها علي الوفاء بحقوق الزوج) ولا بد من الفصل بينهما ولا يملك ذلك إلا القضاء.
ووقائع الخلع في عهد رسول الله -صلي الله عليه وسلم-
كانت ثلاث حالات، أولها: قضية ثابت بن قيس مع امرأته جميلة بنت سلول، وكان مهرها حديقة ردتها إليه، وطلقها بأمر النبي -صلي الله عليه وسلم- (صحيح البخاري جـ9 ص395 الحديث5273)، والثانية: قضيته أيضًا وحبيبة بنت سهل، وكان مهرها حديقتين ردتهما إليه وطلقها (شرح السنة للإمام البغوي جـ9 ص194)، والثالثة: قضية أخت أبي سعيد الخدري (الصحابي الجليل) التي شكت من زوجها، وشكا منها زوجها إلى رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، فأمرها النبي -صلي الله عليه وسلم- أن ترد إليه حديقة كان قد دفعها إليها مهرًا ويطلقها (رواه البيهقي والدارقطني عن أبي سعيد الخدري وذكره القرطبي في تفسيره جـ3 ص141 والمطيعي في تكملة المجموع جـ18) .
والمستفاد من هذه الوقائع الثلاث أن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- أوقع الطلاق بلسان الزوج، أي بأمر الزوج أن يطلق الزوجة الكارهة له، فماذا لو أبى الزوج أن يطلق؟
لاشك أن الرسول -صلي الله عليه وسلم-، وكل قاض بعده يملك إيقاع الطلاق جبرًا عن الزوج كالطلاق للضرر وأسباب أخرى كالغيبة وعدم النفقة والعنة وما إليها يوقع في هذه الحالات كلها جبرًا عن الرجل بحكم القاضي، وكذلك الخلع ولا فرق والقول بغير ذلك يجعل الرجل الذي لا ترضى زوجته بعشرته قادرًا علي إمساكها علي الرغم من إرادتها، وهو ما يخالف علة تشريع الخلع، وأنه للمرأة في مقابل الطلاق المشروع للرجل، فحيث يكره الرجل المرأة يستطيع أن يطلقها، وإن كان الأكثر لا يفعلون، وحيث تبغض المرأة الرجل تستطيع مخالعته، فإن رضي فبها، وإن أبى أوقع القاضي طلقة بائنة جبرًا عنه، ويكون الواجب بالخلع طلاقًا بائنًا، لأن المرأة تعطي الرجل المهر الذي دفعه إليها لتملك أمر نفسها، فلو جعلناه طلاقًا رجعيًا لم يتم لها ذلك، وهو ما ينافي مقصود تشريع الخلع نفسه (تفسير القرطبي جـ3 ص146 وحسن الأسوة لمحمد صديق البخاري).
والملاحظ في حالات الخلع التي رويت عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- أن المهر المأمور برده فيها كان عقارًا (حديقة) مما تزيد قيمته عادة، ولا تثبت أو تنقص إلا نادرًا، أما المهر في زمننا هذا فإنه عادة مبلغ من النقود تنقص قيمته كل يوم، فماذا أعد القانون لكي يكون العوض الذي يأخذه الرجل في حالة الخلع مساويًا لما دفعه؟ ولنتصور رجلاً دفع منذ عشرين سنة عشرة آلاف جنيه مهرًا، ثم عرض عليه اليوم استردادها في الخلع، هل يكون شأنه شأن صاحب الأرض الزراعية الذي أمره الرسول بطلاق امرأته وأمرها بردِّها إليه، ولا يعترض علي هذا التساؤل بزعم أن الزيادة على المأخوذ في المهر النقدي تثير شبهة الربا، لأننا لسنا بصدد عقد قرض أو وديعة مثلية مما تثور معه هذه الشبهة، وإنما نحن بصدد تعويض تدفعه المرأة إلى الرجل، وقد سمّاه الفقهاء في المذاهب كلها عوضًا في مقابلة ما تفعله وبأسرته من هدم لبناء الزوجية وتشتيت لشمل الأسرة بسبب ما تحسه هي من بغضها إياه والتعويض ينبغي أن يكون عادلاً ومقابلاً للضرر وجابرًا له، ويؤيد ذلك ما قرره ابن قدامة في المغني من أن جمهور الفقهاء يرون جواز الخلع علي أكثر من المهر (الجزء10 ص270 * فما دمنا نصنع تشريعا جديدا نتوخى به العدل بين أطراف الأسرة جميعًا، فالأصح أن نجعل ما تدفعه المرأة مساويًا في قيمته الحقيقية وقت الخلع للقيمة الحقيقية لما قبضته المرأة مهرًا وقت الزواج، حتى لا نجمع على الرجل ضياع ماله وهدم بيته، والواجب عندي مؤخر الصداق عند الطلاق أو الوفاة بالطريقة نفسها لئلا تضار المرأة بسبب لا يد لها فيه.
وقد جعلت الفقرة الأخيرة من المادة (20) من مشروع القانون
حكم الخلع غير قابل للطعن بأي طريق من طرق الطعن، والأوفق في النظر القانوني الصحيح أن يساوي بين الخلع وبين أنواع التطليق الأخرى التي يوقعها القاضي جبرًا عن الرجل، وكلها تقبل الطعن عليها بطرق الطعن المقررة، ولا فرق بينها وبين الخلع يوجب اختصاصه بحكم عدم جواز الطعن، والتخوف هنا من طول إجراءات التقاضي عند الطعن يعالج بتجديد مدة للفصل فيه لا تجاوز أقصي مدة العدة، وهي أربعة أشهر وعشرة أيام بالتقويم الهجري، فلو حددنا مدة الفصل في الطعن بأربعة يكون في ذلك ظلم على المرأة، ولا إجحاف بالرجل بحرمانه من حقه في الطعن على قضاء لا يرتضيه.
المسألة السادسة - توثيق الطلاق
نصت المادة (21) من مشروع القانون على
عدم الاعتداد بالطلاق إلا بالإشهاد والتوثيق* وهذا النص لا يصح إلا أن يقصد به الإثبات القضائي للطلاق، لأن الطلاق يقع شرعًا بالتلفظ به من الزوج، وهو يقع ولو كان الزوج هازلاً، ولا يعقل أن يكون المقصود بالنص في هذه المادة عدم الاعتداد بالطلاق، أي عدم اعتباره واقعًا بين الزوجين، مع أنه في بعض الحالات يزيل آصرة الزواج، ولا تجوز معه المعاشرة بين الزوجين كما في الطلاق المكمل للثلاث (عند الطلقة الثالثة)، وعدم الاعتداد به في هذه الحالة يرتِّب نتائج خطيرة شرعًا، فالعلاقة بين الزوجين لا تكون جائزةً، والولد الذي يولد منها يكون مولودًا خارج الزواج الصحيح لذلك يتعين التصريح على أن المقصود هو عدم سماع دعوى التطليق أو دعوى إثبات الطلاق، وليس عدم الاعتداد بالطلاق نفسه، ويجب أن يقيد النص علي عدم سماع الدعوى بكونه بعد العمل بهذا القانون، بحيث تستمر المحاكم في سماع دعاوى إثبات الطلاق السابق وقوعه علي العمل بالقانون الجديد تجنبا لأي محظور شرعي يوقع المكلفين في حرج أو يبيح ما حرَّم الله فعله.
المسألة السابعة - المراجعة بعد انقضاء العدة
تنص المادة (22) من مشروع القانون على
عدم قبول ادعاء الزوج مراجعة مطلقته ما لم يعلنها بهذه المراجعة بورقة رسمية قبل انقضاء تسعين يومًا من توثيق طلاقه لها، وهذا النص يبيح للرجل إعلان زوجته المطلقة بمراجعته لها إعلانًا يعتد به القانون بعد انقضاء عدتها، فالعدة ثلاثة قروء، أي ثلاث حيضات على المذهب الحنفي المعمول به في مصر)، وهي تستغرق قطعًا أقل من تسعين يومًا، فإذا انقضت العدة فقد بانت المرأة، ولم يعد له عليها حق الرجعة، ونص مشروع القانون بخلاف ذلك، وهو يخالف نص القرآن الكريم: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ) والذي يرفع هذه المخالفة هو أن يكون شرط قبول الإعلان لإثبات الرجعة وقوعه في أثناء العدة، والقول بغير ذلك يفتح بابًا لمخالفة الشريعة الإسلامية في حكم من أحكامها التي ينص عليها القرآن الكريم، وهو ما لا يقبله أحد وأكاد أوقن أنه لم يقصده.
المسألة الثامنة - المنع من السفر
تعطي المادة(26) من مشروع القانون للقاضي
الوقتي سلطة إصدار أمر علي عريضة بمنع الزوجة والأولاد القصر من السفر أو من استخراج جواز سفر إذا ثار نزاع بينهم وبين الزوج أو الوالد وسلطة إصدار أمر بمنع الزوج من السفر إذا امتنع عن سداد النفقة المحكوم بها عليه* وهذه المادة تفتح بابًا لهدم الأسرة لا لصيانتها، والأوفق من حيث التشريع، ومن حيث حفظ النظام الأسري نفسه أن يكون ما يقرره القانون هو جواز تظلم الزوجة من قرار زوجها بمنعها من السفر إذا وقع ذلك أما الأولاد القصر فإنهم في ولاية أبيهم والولاية الثابتة شاملة لا يجوز أن ينتقص منها القاضي أو غيره.
ومثل هذا التعديل تستقيم به الحياة الزوجية والأسرية وتبقي للرجل رئاسته للأسرة، فإذا تعسَّف في شأن زوجته وتظلمت للقاضي كان له أن يقدِّر المصلحة ويعملها، والمفسدة فيمنعها دون أن نهدر النظام الأسري المستتب.
المسألة التاسعة - التطليق في الزواج العرفي
نصت المادة (17) من مشروع القانون على
عدم قبول دعوى الزوجية عند الإنكار في الوقائع اللاحقة على 31 أغسطس1931(تاريخ العمل بنظام وثائق الزواج) ما لم يكن الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية، ومع ذلك تقبل دعوى التطليق إذا كان الزواج ثابتًا، وهذا النص يتيح للزوجات اللائي تضطرهن الظروف إلى الزواج عرفيًا فرصة التخلص من هذا الزواج عندما تدعو الظروف إليه بالحصول علي حكم قضائي بالطلاق، والزواج العرفي زواج صحيح شرعًا لا يبطله نص قانوني, ولكنه لا تسمع الدعوى به أو لا تقبل بتعبير القانون الجديد ما لم يكن ثابتًا بوثيقة رسمية.
وفي رأيي أن هذا النص من محاسن القانون الجديد، وكنت أذهب إلى أنه واجب العمل به في ظل نص لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي كان نصها يقضي بعدم سماع دعوى الزوجية عند الإنكار ما لم تكن ثابتة بوثيقة رسمية، فكان لفظها يحتمل سماع الدعوى بطلب الطلاق وبطلب وقوعه وحسنًا فعل المشروع بتنظيم هذا الأمر على هذه الصورة التي تمنع عشرات المفاسد الشرعية والاجتماعية عن الرجال والنساء جميعا.
وبعد..
فإن مشروع القانون الجديد للأحوال الشخصية، وهو يضم أحكامًا موضوعية وإجرائية ليس حلقة من حلقات الصراع بين النساء والرجال توشك المرأة أن تنتصر فيها، وليس صورة من صور الصراع بين الإسلام والعلمانية يوشك الإسلام أن يخلي فيها بعض مواقعه، وليس إملاء من قوى أجنبية على المشرع المصري والدولة المصرية، بل هو محاولة مضى عليها تحت الإعداد أكثر من تسع سنوات لتحسين بعض الأوضاع الصعبة التي تكتنف التقاضي في مجال الأحوال الشخصية، وبعض الأحكام التي ترهق الأسرة وتعنتها، وهي أحكام اجتهادية تتسع لاستبدال غيرها بها تحقيقًا للمصلحة ودرءًا للمفسدة، وهو تقنين وضعي لا بأس علينا إذا تبيَّن بعض الثغرات فيه أن نعدله أو نضيف إليه أو نحذف منه دون أن ننشئ بسببه صراعًا اجتماعيًا بين النساء والرجال، أو صراعًا سياسيًا بين الحكومة والمعارضة أو صراعًا فكريًا بين الدينيين والإسلاميين، فذلك كله خارج هذا النطاق، ويحسن أن يبقى كذلك لنحفظ للأسرة المصرية نقاءها وصفاءها بعيدًا عن هذه الصراعات جميعا وآثارها .