من أسرار القرآن
الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية
ـ 6 ـ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش* الأعراف:54*
جاءت الإشارة إلي خلق السماوات والأرض في ستة أيام في ثماني آيات قرآنية كريمة يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي):
1 ـ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.( الأعراف:54)
2 ـ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون( يونس:3)
3 ـ وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه علي الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا..( هود:7)
4 ـ الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوي علي العرش الرحمن فاسأل به خبيرا( الفرقان:59)
5 ـ الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوي علي العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون( السجدة:4)
6 ـ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين, وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين, ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين, فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم
(فصلت:9 ـ12)
7 ـ ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب
(ق:38)
8 ـ هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء ومايعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير.( الحديد:4)
وقد اتفق جمهور المفسرين علي أن أيام خلق السماوات والأرض الستة هي ست مراحل, أو وقائع, أو أطوار, أو أحداث كونية متتابعة, لايعرف مداها إلا الله تعالي, وأنها لايمكن أن تكون من أيام الأرض, لأن الأرض لم تكن قد خلقت بعد, ولذلك لم توصف أيام خلق السماوات والأرض بالوصف القرآني مما تعدون الذي جاء في آيات أخري عديدة بمعني اليوم الأرضي.
وردت لفظة يوم بمشتقاتها في القرآن الكريم475 مرة, منها349 مرة بلفظ اليوم,16 مرة بلفظ يوما ومجموعهما365 مرة( وهو نفس عدد أيام السنة في زماننا), كذلك جاءت التعبيرات القرآنية يومكم, يومهم, يومين, أيام, وأياما109 مرات لتحديد وقائع محددة, أو عددا محددا من الأيام, كما جاء التعبيران يومئذ, ويومئذ لتحديد وقت معين.
وفي اللغة العربية يقال يوم( وجمعة أيام) ليعبر به عن الفترة من طلوع الشمس إلي غروبها, أي فترة النور بين ليلين متتاليين, وقد يعبر به عن النهار والليل معا( أو مايعرف باليوم الكامل أو بيوم الأرض الشمسي) وهو الفترة التي تتم فيها الأرض دورة كاملة حول محورها أمام الشمس, أو بالفترة الزمنية بين شروقين متتاليين أو بين غروبين متتاليين للشمس ويساوي أربعا وعشرين ساعة كاملة.
ويقال في اللغة العربية من أول يوم أي من أول أيام تاريخ محدد, وربما عبروا باليوم عن الشدة التي يمر بها الفرد أو الجماعة من الناس, مثل قولهم يوم كيوم عاد أو يوم كيوم ثمود, أو يوم من أيام العرب أو من أيام الدهر.
وقد يعبر باليوم عن مدة من الزمان أيا كان طولها, ومعني ذلك أن مصطلح يوم من الناحية اللغوية هو مصطلح عام يختلف مدلوله حول ما يقصد به في سياق الكلام.
ولفظة يوم جاءت في القرآن الكريم بهذه المعاني كلها, فجاءت بمعني النهار كما في قوله تعالي:
...فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج....[ البقرة196)
وقوله سبحانه:
سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما..( الحاقة:7)
وجاءت بمعني اليوم الأرضي المطلق( أي زمن دورة الأرض حول محورها أمام الشمس في أربع وعشرين ساعة). كما في قوله تعالي:
واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقي..( البقرة:203).
وجاءت لفظة يوم في القرآن الكريم بمعني يوم محدد من أيام الأسبوع من مثل ما جاء في قوله تعالي:
ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.( الجمعة:9)
وقوله( عز من قائل):
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لايسبتون لاتأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون.( الأعراف:163)
وجاءت لفظة يوم في كتاب الله بمعني يوم محدد من السنة كيوم الحج الأكبر وهو يوم عرفة أو التاسع من ذي الحجة.
كما جاءت بمعني واقعة محددة في التاريخ كيوم الزينة ويوم الظلة, ويوم الفرقان, ويوم حنين, ويوم الأحزاب, ويوم الفتح.
وجاءت بمعني بعض علامات تدمير النظام الكوني قبل البعث من مثل قوله تعالي: يوم ترجف الأرض, و يوم تأتي السماء بدخان مبين, و يوم تمور السماء مورا, وأمثالها.
وجاءت بمعني يوم من أيام الله التي لايعلم مداها إلا هو( سبحانه وتعالي) ولكي يقرب ذلك إلي أذهاننا قارنها بعدد من سنيننا مضافا إليها الوصف القرآني مما تعدون وذلك من مثل قوله تعالي:
ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون
( الحج:47)
وقوله( عز من قائل):
يدبر الأمر من السماء إلي الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون( السجدة:5)
وجاءت لفظة يوم في كتاب الله بمعني طور أو مرحلة, أو واقعة, أو حدث كوني وذلك من مثل الآيات:(7 من سورة الأعراف),(3 من سورة يونس),(7 من سورة هود),(59 من سورة الفرقان),(4 من سورة السجدة),(38 من سورة ق),(4 من سورة الحديد).
وجاءت بمعني الأخرة: يوم الدين, يوم القيامة, يوم الساعة, يوم البعث, يوم الفصل, يوم الحساب, يوم الجمع, يوم التلاق, يوم التناد, يوم الأزفة, يوم الأشهاد, يوم الحسرة, يوم التغابن, يوم الوعيد, يوم الخروج, يوم الخلود, وغيرها من التعبيرات عن أيام البعث والحساب والخلود في الآخرة.
مدلول لفظة اليوم في العلوم الكونية
يعرف يوم الأرض الشمسي بالفترة التي تتم فيها الأرض دورة كاملة حول محورها أمام الشمس, وتقدر هذه الفترة في زماننا الحالي بأربع وعشرين ساعة يتقاسمها ليل ونهار باختلاف طفيف في طول كل منهما.
أما يوم الأرض النجمي( ويقل في مداه عن يوم الأرض الشمسي بثلاث دقائق وست وخمسين ثانية) فيقدر بالمدة الزمنية الواقعة بين رؤية نجم ثابت في السماء من فوق نقطة محددة علي سطح الأرض مرتين( أي حتي تعود نفس النقطة المحددة علي سطح الأرض الي رؤية هذا النجم الثابت من جديد), والفارق الزمني الطفيف بين اليومين سببه أن الأرض عندما تتم دورة كاملة حول محورها تكون قد جرت في مدارها حول الشمس مسافة تقدر بحوالي365/1 من طول هذا المدار.
ولما كانت الأرض وكل مافي السماء يجري في فسحة الكون بسرعات متعددة, حول مراكز عديدة, ولما كان لكل جرم من تلك الأجرام دورة محورية كاملة ضمن عدد من الدورات المدارية والانتقالية, فإن أطوال تلك الدورات المحورية والمدارية تختلف من جرم الي آخر, وبالتالي فإن طول يوم وسنة كل جرم من هذه الأجرام يختلف اختلافا كبيرا, فيتراوح يوم كواكب المجموعة الشمسية بين88 يوما أرضيا في أقرب الكواكب الي الشمس وهو كوكب عطارد, إلي بضعة أسابيع في كوكب الزهرة إلي24 ساعة مقسمة الي ليل ونهار في كوكب الأرض, الي24 ساعة,37 دقيقة,23 ثانية في كوكب المريخ, الي9 ساعات,53 دقيقة في كوكب المشتري, الي10 ساعات,14 دقيقة,24 ثانية في زحل, إلي10 ساعات,48 دقيقة في يورانوس, الي15 ساعة,,40 دقيقة في كوكب نبتيون.
كذلك يختلف طول سنة كل جرم من أجرام المجموعة الشمسية باختلاف طول مداره, وسرعة دورانه فيه, فالحركة الانتقالية السنوية حول الشمس لكوكب عطارد تقدر بحوالي88 يوما أرضيا, ولكوكب الزهرة بحوالي224,7 يوم أرضي, وللأرض باثني عشر شهرا قمريا( أو365,256 يوما أرضيا), وتصل في المريخ الي686,98 يوم أرضي, وفي المشتري الي11,86 سنة أرضية, وفي زحل الي29,46 سنة أرضية, وفي يورانوس الي84,07 سنة أرضية, وفي نبتيون الي164,81 سنة أرضية, وفي بلوتو الي248,53 سنة أرضية, بينما تتم الشمس دورتها حول محورها( أي يومها) في زمن قدره25 يوما من أيام الأرض, وفي مدارها حول مركز المجرة( أي سنتها) في225 مليون سنة من سني الأرض.
والمجموعة الشمسية هي جزء ضئيل من مجرة درب اللبانة والتي تشكل بدورها جزءا من التجمع المجري, الذي يشكل بدوره جزءا من التجمع المجري الأعظم, ثم تظل تنسب الي وحدات أكبر باستمرار الي نهاية الكون المدرك, وكل ذلك في حركة دائبة في صفحة السماء الدنيا التي زينها ربنا( تبارك وتعالي) بالنجوم, والتي تدور بدورها في داخل السماوات الست العلا, وصدق الله العظيم إذ يقول:
... وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون( الحج:47)
وإذ يقول( عز من قائل):
... في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون( السجدة:5)
وإذ يقول( سبحانه وتعالي):
تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة( المعارج:4).
النسبية والزمن
منذ القدم استخدم العرب المساقة للتعبير عن الزمن بصيغ مثل مسيرة شهر, أو مسيرة أسبوع, أو مسيرة يوم( عادة باستخدام الجمال أو بالسير علي الاقدام), وفي النظرية النسبية يستخدم الزمن كالبعد الرابع للأبعاد المساحية الثلاث وقد سبق بعض متصوفة المسلمين من أمثال محيي الدين بن العربي, ألبرت أينشتاين بمئات السنين في الإشارة الي حقيقة أن الكون وجود مادي في كل من المكان والزمان, كما سبقه يالاشارة الي تحدب الكون بتحدب الزمان, وهي قضية تعتبر اليوم من أهم نتائج النظرية النسبية العامة, بل ان في إشارة القرآن الكريم الي يوم كألف سنة, ويوم كخمسين ألف سنة ليمثل أساس النسبية, ليس هذا فقط بل إن القرأن الكريم قد اشار الي سرعة الضوء وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي):
قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك...( النمل:40) وقد استخدم ابن عربي السنة الضوئية بنفس المفهوم الذي تستخدم به اليوم في علم الفلك انطلاقا من هذه الآية القرآنية الكريمة, وفي مطلع القرن العشرين أعلن ألبرت أينشتاين نظريتي النسبية العامة والخاصة في سنتي1905 م,1915 م علي التوالي.
وتقوم نظرية النسبية العامة علي أساس من افتراض أن الجاذبية مكافئة لمفهوم التسارع, ووصفتها بأنها إنحناء تحدثه الكتلة أو الطاقة( وهما وجهان لعملة واحدة) في متصل رباعي الاضلاع من الزمان والمكان بأبعاده الثلاثة وتقوم نظرية النسبية الخاصة علي أساس من فرضين أساسيين:
أولهما: أن القوانين الفيزيائية تبقي ثابتة في أي جسم ثابت أو متحرك بسرعة ثابتة.
وثانيهما: أن سرعة الضوء في الفراغ تبقي ثابتة باستمرار بغض النظر عن سرعة المصدر الذي انطلقت منه, أو سرعة الراصد لها, وعلي ذلك فهي سرعة مطلقة. فضوء مصباح مثبت في قطار يقترب منا ينتشر بنفس السرعة التي ينتشر بها إذا كان يبتعد عنا.
ويهدف هذان الفرضان الي تثبيت القوانين الفيزيائية( الميكانيكية والكهرومغناطيسية) سواء كان الجسم الذي تقاس فيه تلك القوانين ساكنا أو متحركا بسرعة ثابتة, وذلك لان كلا من الحركة والسكون ليسا مطلقين في الكون المدرك, بمعني أن كافة العلاقات فيه نسبية, ماعدا سرعة الضوء لأنها ثابتة للمشاهد, ولا تتأثر بحركة أي من الراصد أو مصدر ضوء ـ وقد قدرت تجريبيا في الفضاء بحوالي299792,5 كيلو متر في الثانية.